مقالات إجتماعية
أشغله بذلك ” الذكي ” وأجعل منه ” لوحاً ” !!

أطفالٌ صغارٌ متجمهرون هناك , تحت بيت الدرج , صبيةٌ وفتيات , همهماتٌ غريبة , ثم ترتفع الأصوات المتداخلة , ( أنا أبغى محمد , لا أنتي خذي فيصل , لا مها وحشة ما أبغاها ) إتفاقٌ أخير , وترتفع أصوات الزغاريد , قصاصات ورقٍ متطايرة على رأس العروسين .
ذلك المشهد لم يكن سوى لعبة العريس والعروس , ومن منا لم يلعب تلك اللعبة في صغره ؟! لقد كانت لعبتنا المفضلة , بنات كنَّ أم صبية , كانت طفولتنا برييئة جداً , كنا نلعب مع صبية العائلة دون خوف أو وجل , أنظروا الآن لو دخل صبي إلى البيت ماذا يحدث !!! , فوراً ترتفع الحالة الأمنية وتطلق صفارات الإنذار معلنةً حالة التأهب , وتبدأ الأم بالمراقبة خوفاً من أن يرى الصبي بنتها , وتعلن فوراً حظر التجول .
أذكر طفولتي جيداً و كأنها كانت بالأمس , كنت أفضل اللعب بالدراجة في الشارع مع إخوتي الصبية , ولم أكن أرضى بالدخول إلى المنزل إلا عندما أُضْرب , فأدخل إلى البيت باكيةً معترضة , ولكن ما باليد حيلة .
وبما أني ضُربت فلا بد أن أضرِبَ أختي الصغيرة والتي كانت تصغرني بثلاث سنوات , فأحشرها بالزاوية وأشد شعرها فترفزني في بطني , ولا نترك بعضنا حتى تبكي إحدانا , وفي الأغلب أكون أنا المنتصرة , لكن ما إن أرى دموعها حتى أذهب إليها لأراضيها وأدعوها إلى اللعب وكأن شيئاً لم يكن .
كانت لعبتنا المفضلة هي لعبة الممرضة والمريضة , كنا نتقمص الدورين بالتبادل حتى نمل ثم تبدأ فقرة المواهب فنحضر ذلك المسجل الصغير الذي شهد إبداعاتنا وأصواتنا التي أعترف بأنها كانت ” نشازاً قاتلاً ” لكن سنغني مهما يحصل , كنا نحفظ جيداً كل الإعلانات التجارية وأغاني الأطفال , وبالذات ” المصرية ” منها لما لها من وقع مفرح على النفس , فما أجمل مصر وما أجمل أهلها , فقد كانت القنوات المصرية لها نصيب الأسد في مشاهداتنا ( ماما زمانها جية جية بعد شوية جيبة لعب وحاجات , ذهب الليل وطلع الفجر والعصفور صوصو , حبية أمها وحياتي بحبها ) يا لتلك الأغنيات كم جَمَلت طفولتنا , أما الإعلانات التجارية فحدث ولا حرج ( كلونيا خمس خمسات , – وإعلان حليب الأطفال ريري – هتلنا ريري هتلنا ريري هتلنا منو باكو وإتنين ) .
كانت هذه طفولتنا المليئة بالمرح والضحك والغناء والمغامرات المثيرة , لكن أين أطفالنا من هذه المتعة وهذا المرح ؟! للأسف نسينا أطفالنا أمام الأجهزة الذكية , وألعاب الفيديو , والكمبيوتر اللوحي , حتى أصبحوا أطفالاً صامتين , أصبحوا آلات متحركة , كبروا قبل آوانهم .
نحن من فعلنا هذا بأطفالنا , فنمنعهم من اللعب بالتراب حتى لا تتسخ ملابسهم , ونمنعهم من الجري والقفز لأنهم يسببون لنا الإزعاج , نحن فقط نمنع ونمنع ونمنع , ولكي نتخلص منهم نتركهم أمام تلك الأجهزة التي سلبتهم التفكير والإبتكار , بل ونفرح بذلك ونمدحهم بقولنا ” شاطر حبيب ماما جالس عاقل ” .
في اليابان الأباء والأمهات لا يعطون أبنائهم الأجهزة الذكية إلا بعد بلوغهم سن الثانية عشر , ليقضوا طفولتهم بين اللعب والعلم والإبتكار , لكن للأسف في الدول العربية نجد أطفالاً لم تتعدى أعمارهم السنتين وبيدهم هاتفٌ محمول , بل وتفخر الأم بذلك أمام صديقاتها وتجد الأب يبرر ذلك بأن الحياة فرضت علينا هذا ولا يريد لإبنه أن يكون أقل من أقرانه .
أحياناً أتمنى لو كانت هناك آلة للزمن تعيدني للعهد الجميل , زمن الطفولة البريئة و عهد المرح بلا حدود
إهتموا بأبنائكم وأتركوا لهم مجال التنفيس عن قدراتهم وطاقاتهم باللعب , ولا تنسوهم أمام الأجهزة اللوحية حتى لا تتفاجئوا بأنهم أصبحوا ألواحاً .